top of page
Search

من أنا؟ بين الذاكرة و الوعي في عالم سايبر بانك و جون لوك

  • Writer: philo scope
    philo scope
  • 2 days ago
  • 2 min read

Updated: 1 day ago

ree

من أنا؟ بين الذاكرة و الوعي في عالم سايبر بانك و جون لوك


تخيل أنك تصحو من النوم، تفطر، تلبس، وتخرج إلى الشارع.

تبدأ يومك كالمعتاد، لكن شيئًا غريبًا يحدث:

كل من تلتقيه يسلّم عليك ويقول بابتسامة: "كيفك يا أحمد؟"

في البداية تردّ السلام وتمضي، لكن بعد أن يتكرر الموقف أكثر من مرة، تتوقف.

تسأل نفسك: "لحظة… اسمي مو أحمد!"


مع مرور الوقت، تشعر أن هناك شيئًا أعمق من مجرد خطأ في الاسم.

ذاكرتك بدأت تتغير.

تتذكر ماضيًا لم تعشه، وأشخاصًا لم تعرفهم، وأماكن لم تزُرها.

تتذكر اسمًا غريبًا، ليس لك، لكنه somehow… يشبهك.

حينها يبدأ الخوف الحقيقي:

إذا كنت أعيش بذكريات غيري، فهل ما زلت أنا… أنا؟


هذا بالضبط هو الإحساس الذي يعيشه جوني سيلفرهاند وV في لعبة Cyberpunk 2077.

القصة تبدأ حين يقوم "V" بعملية سرقة لشريحة مزروعة في الدماغ،

لكن أثناء المهمة يضطر إلى وضع الشريحة في رأسه لإنقاذها.

لاحقًا يكتشف أن الشريحة تحمل نسخة رقمية من وعي شخص آخر:

عازف روك ثوري عاش قبل مئة عام يُدعى جوني سيلفرهاند.


ببطء، تبدأ ذاكرة "V" بالتلاشي، لتحل محلها ذكريات "جوني".

الأصوات، الصور، وحتى الأحلام تختلط.

تصبح الحدود بين "أنا" و"هو" ضبابية، حتى لم يعد واضحًا من يعيش داخل الجسد:

هل هو V بجسده وذكرياته السابقة؟

أم جوني الذي استعاد وجوده من خلال ذاكرة شخص آخر؟


وهنا يظهر السؤال الفلسفي العميق الذي طرحه جون لوك قبل قرون:

من يحدد هويتي؟

هل أنا هو "أنا" لأنني أتذكر نفسي،

أم لأن الآخرين يتذكرونني كما يعرفونني؟


بالنسبة لجون لوك، الهوية لا تكمن في الجسد ولا في الاسم، بل في الوعي المتصل بالذاكرة.

أنت "أنت" لأنك تتذكر نفسك، لأنك قادر على أن تقول: أنا من فعلت هذا بالأمس.

فإذا انقطعت هذه السلسلة من الوعي، فالهويّة نفسها تنكسر.

الجسد يبقى، لكن الشخص يختفي.


من هذا المنظور، عندما تبدأ ذاكرة "V" بالتحول إلى "جوني"،

فهو لا يفقد فقط ماضيه، بل يفقد ذاته.

إنه يموت ببطء دون أن يتوقف قلبه عن الخفقان.

وفي كل لحظة من لحظات التحوّل، يصبح سؤال لوك أكثر قسوة:

هل الذكريات التي نعيشها تكفينا لنكون نحن؟

أم أننا مجرد صدى لذاكرة أخرى سكنت عقولنا؟


لكن القصة لا تنتهي داخل عالم سايبر بانك فقط، بل تمتد إلينا نحن.

في عالمنا اليوم، الذاكرة لم تعد شيئًا داخليًا نحمله في أدمغتنا فقط.

صارت موزعة بين هواتفنا، وسيرفرات الإنترنت، ومنشوراتنا على السوشيال ميديا.

هويتنا صارت رقمية، معلّقة بين ما نختار أن نتذكره،

وما تختاره الخوارزميات أن تحفظه عنّا.


فإذا ضاعت بياناتك، أو حُذفت صورك، أو أُغلقت حساباتك،

هل تبقى "أنت" كما كنت؟

أم أنك تختفي مع كل بايت يتم مسحه؟


في زمن يستطيع فيه الذكاء الاصطناعي تقليد صوتك،

والشبكات الاجتماعية رسم ماضيك أفضل منك،

يصبح سؤال جون لوك أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى:

هل ما زالت هويتنا ملكنا،

أم أننا أصبحنا مجرد ذاكرة مشتركة بيننا وبين التقنية؟


ربما في النهاية، الهوية ليست شيئًا نمتلكه بقدر ما هي قصة نحكيها لأنفسنا.

قصة تتبدل كلما تغيّرت الذاكرة،

وتُعاد كتابتها كلما لمسنا شاشة جديدة.

وفي عالمٍ مثل سايبر بانك،

حيث يمكن نقل الوعي وحذف الذاكرة،

قد لا يكون السؤال: من أنا؟

بل: كم مرّة يمكن أن أكون شخصًا آخر… قبل أن أتلاشى تمامًا؟ و انتو شو رأيكم؟

 
 
 

Comments


Drop Me a Line, Let Me Know What You Think

© 2035 by Train of Thoughts. Powered and secured by Wix

bottom of page